مقتطف من رواية مرافئ الوهم
بيروت – دار الآداب 2005
- هل جرّبت الحشيش يا سيد كفاح!
- أرجوك نادني كفاح، كما أناديك سيف.. أموافق؟
- على أمرك..
- نعم جربته مرات قليلة ومتباعدة في لبنان.. في بعلبك والجنوب، وكنت كثير التردد على المقاومة هناك. أردت أن أعرف تأثيره، لم أحب المرارة في المرة الأولى.. ثم كرهت أن يصبح رأسي ملكاً لغيري حتى ولو لأوهام الحشيش.. ليس لي إلا هذا الدماغ، فكيف أفرّط به؟.. أعدت تجربته مع الرفاق فحملني خارج الأشياء وفوقها.. وحين أفقت أدركت خديعته. أتعرف يا سيف، الشعور بالتحليق فوق كل شيء والانفصال عن العالم جميل، ولكن إلى حين، لأن الواقع يصير أكثر صعوبة حين ترتد إليه من الوهم والشرود. منذ وعيت تحملت مسؤولية عائلتي.. فوالدي دهَّان بسيط يتوقف عمله معظم الشتاء.. المهم، بعد ليلة تحرَّرْتُ فيها من كل كبت ورغبة مجنونة في داخلي توقفت، رقصت فوق الطاولة، مددت لساني لوجه أمي المُتَخَيَّل والرافِض لبوهيميتي، ضربت الولد العاقل فيَّ بالشلّوت، غنيت وصرخت وضحكت.. وحين أفقت سألت نفسي ثم ماذا بعد يا كفاح؟ ماذا تريد أن تكسر وماذا بقي لتتمرد عليه؟ قلت.. يكفيك يا أبو غليون. هذا ليس أنت. توقف الآن. وانتصرت على ذاتي بقرار لا رجعة فيه. وأنت يا سيف؟
- أنا أقلعت عنه بحكم الضرورة. لم أعد أجده.. استغلني التجار حتى آخر درهم من راتبي، استدنت لأشتريه، كنت أدخنه بشراهة حين يتوفر، أنا لم أدمن شيئاً سوى النساء والسجائر، وما عداهما أسقطه بسهولة.. قررت التوقف عنه إذا عدت سالماً من كابول، سافرت وقد نويت التوبة إذا نجحْتُ في تهريبه، كنت مفلساً ومديناً ومهددا بالسجن، لهذا سلّمني الله. وأعتبر أن ما حدث لي في الطائرة تحذيراً سماوياً، إلهاماً يقول لي سدد ديونك وابدأ من جديد. فكرت بزوجتي وأطفالي وتشردهم لو أمسكوا بي فتوقفت بعدها.
يضيع حد فاصل بين الحقيقة والخيال في رواية رجل يلقاه عابراً، فيحمله على كل هذه الدهشة، وينسيه فضوله وما ينتويه..
- وماذا حدث؟
- أووه .. واللهِ، رضى الوالديْن.. كلما تذكرت ما حدث أرتجف. أحياناً تحس أن قوة ما تحميك، كنت خائفاً ووحيداً، وحقيبتي ومعطفي محشوّة بأكياسه الصغيرة.. لم يكن أمامي غير المحاولة مهما كانت النتيجة لأنجو من ابتزاز التجار والمروجين وأسدد ديوني.. طبعاً مطارات تلك الأيام صغيرة والتفتيش يدوي ولا يطال الشخصيات، وأنا اسم معروف ولي أصدقاء في المطار، فقلت جرّب وإن نجحْتَ تُبْ.. طلبت من قائد الأفغان وبعض المقاتلين العرب كمية حشيش فأعطوني الكثير، قالوا تدبر أمرك في مطار بلادك، أما مطار كراتشي فإخراجك منه علينا.. تعرف أن حكومة بي نظير بوتو كانت تدعمهم وتساندهم. رأيتهم بنفسي يدخلون ويخرجون من المطار كأنه مطار أبيهم. حقيبتي الملغومة بالحشيش خرجت مع الأمتعة بلا تفتيش، ثم تركوني في قاعة كبار الزوار وجيوبي محشوة بما تبقى.
- ما زالوا يزرعونه ويتاجرون به لشراء السلاح، هذا أمر معروف.
- أتصدق؟ سألت أحد زعمائهم عن هذا فقال، يا سيف من يشتري الحشيش ويستعمله هم أولاد الكفار. وهم يدفعون ثمنه من أموالهم فنشتري بها سلاحاً يقتل أمتهم وأبناء جلدتهم.. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة!. هذا ما نملكه لحربهم.. استفزني جوابه فأخطأت.. قلت، ولكن أولاد أمة محمد يدخنونه ويدفعون ثمنه أيضاً!. وكأنني نطقت كفراً، عربد وصرخ. إذا فعلوا فهم زنادقة مرتدون ويستحقون الموت.. يتركون قضايا الأمة ويغيبون في الحشيش، هذا ما تريده زبانية الشيطان من الكفار والنصارى.. آسف آسف مرة أخرى يا أستاذ!
- ولا يهمك، نسمع هذا ألف مرة على الشاشات.. أكمل.
- قال، إن المسلم الحقيقي يحميه دينه وعقيدته من الزلل، ولا يفكر إلا بالجهاد ومحاربة الكفّار. بيني وبينك خفت أن أواجهه بأن بعض رجاله يدمنون الحشيش أيضاً، وحين تدور رؤوسهم حتى التجلّي يخشى رفاقهم الانكفاء والسجود لئلا ينقضوا على مؤخراتهم، قلت ربما يدري ويسكت ويعتبرهم غلمان المجاهدين! ها ها ها.. والباقون منهم حين تلح غريزتهم يركضون إلى الكهوف حيث نساؤهم ليقضوا وطراً سريعاً، فيدخلون ويخرجون في دقائق!. واللهِ حرام، هؤلاء وحوش. المرأة لعبة، وملاطفتها متعة وقدسية، تتزين لها وتتعطر، تبخّر ثيابك وتغتسل قبل أن تلمسها، تقبلها تشمها تضمها تشربها وتغوص في الحرير وسخونته، هؤلاء الحمير نسوا أمر الرسول بالملاطفة والملاعبة! يعني بصراحة، أنا في أمور النساء مسلم أكثر منهم ألف مرّة.
يدمع كفاح بضحكه، يجره فضول واضح:
- المهم.. كيف أدخلت البلوى التي تحمل؟
- آه على ما جرى! خيال! لا يُصدّق!.. نبع لي مخلِّصاً فجأة، من زوابع الحيرة ولحظات الخوف والدعاء جاء، رأيته كثيراً في نشرات الأخبار، رجلاً من كبار القوم ومن عائلة معروفة ومتنفِّذة في بلادنا. تقدمت منه بينما يدخل صالة كبار الزوار وقدّمت له نفسي، رحب بي بحرارة وبخلق عظيم، وأكد أنه يعرفني ومعجب ببعض برامجي. وبدأنا حديثنا.. سكنت عواصفي وقلت، يا رضى الله ورضى الوالدين إذا نفدْتُ بجلدي فسأتوب. كنت تائهاً، مرعوباً. ولعله أحس أنني أحتمي به من شيء ما. وهؤلاء لا يردون سائلاً ولا مستجيراً، لا من ديرتهم ولا غيرها.. أخبرته أنني قادم من تصوير المجاهدين في أفغانستان، فأجلسني بجانبه في الطائرة لأسلّيه، هو يضحك ويقطّع الوقت وأنا تائه بالمصيبة التي أحمل حتى وصلنا.. لم يكن أمامي إلا أن أتصرف بحكمة وإلا ضعت.. قلت له إنني أريد أن أظهر معه أمام الجميع لأن القريب من الشيخ شيخ، فضحك في تواضع، وأصر أن أرافقه في سيارته، كانت تنتظره عند سلّم الطائرة.. وأعطى قسائم حقائبي وجواز سفري للموظف وانطلقنا إلى صالة الشرف فالخارج. وفي أقل من ساعة وصلت حقيبتي إلى المنزل وما زلْتُ مذهولاً.
- غير معقول؟ بكل ما فيها؟
- توقف هذا الآن، الجميع يُفتشّون وبدقة، وفرضوا عقوبة الإعدام للمهرب والمدمن العائد بعد هذه الحادثة مباشرة. قلت لنفسي هذه المرة سامحك الله من أجل أولادك، فتوقف.
- وماذا فعلت به؟
- بعت أكثره، ودخنت الباقي،وأكرمت رفاقي، ثم كانت توبة نصوحا.
- هل تحب زوجتك يا سيف؟
- أوه.. أعبدها.. لكن ما علاقة زوجتي بالحشيش؟
- لا. مجرد سؤال، أنا مثلك أضعف أمام الجميلات والذكيات من النساء، ولكنني توقفت عن الدونجوانية منذ تزوجت.
- غلط يا أستاذ! الزواج شيء والحب غيره، وامرأة واحدة فقط في حياتك يمكن أن تمنحها الاثنين معاً. ما تبقى لا ينال إلا واحداً منهما..إما الزواج أو العشق. أتدري ما تقوله مدام شادن عني؟ إن قلبي يتسع لمجموعة نساء، واحدة في البطيْن وأخرى في الأذيْن وثالثة في الأبهر ورابعة في الأورطي. يا أخي القلب مطاط والنساء رقيقات يمكن طيّهن، ثم تحشو كل واحدة في جزء منه.
وعينا سيف كتلة جمر، وحروفه تثقل.. ويصر أن يتماسك أمام رجل لا يخفي إعجابه به:
جاءه الفرج بالسؤال:
- مرة واحدة فقط.
- أهي زوجتك؟
- لا ، كان ذلك في القدس، هو الحب الحقيقي في حياتي كلها، ولكنه فشل، فظل فقدانها مؤلما وموجعا سنوات، عرفت كثيرات بعدها، وتوقفت حين تزوجت، تعرف يا سيف أنني عشت في بيروت ثم لندن، ولم يكن الجنس أو الفتيات مشكلة في أي منهما. ولكني أتصور أن تكون هذه الأمور صعبة في مجتمع مغلق كبلادكم!.
يقهقه سيف ساخراً:
- خُبْرَك!! زمان كان الحصول على امرأة مشكلة، أما اليوم فالبلاد تعج بسمراوات وصفراوات وشقراوات. فتَحَت أبوابها لمن تريد..بيزنس، أفواج والله العظيم.. سوق حريم يا أخي. بس الله يقطع الإيدز وسنينه.. صرنا نخاف.. ورحلات بانكوك كسدت بعد أن ظلت شركات الطيران تسيِّر طائرات خاصة للشباب. هوب.. كله في بانكوك.. يستدينون ليجربوا، ولكن هذا المرض لا يُمازَح أبداً.
- إذاً تبت عن النساء بالضرورة؟
- لا لا يا أستاذ.. لم أكن من زبائن بانكوك.. أنا رجل لا أرمرم وأكره اللحم الرخيص. قد يكون الأمر أكثر صعوبة، ولكن لا بد من امرأة محرومة ووحيدة.
- وهل هناك نساء وحيدات في العمل؟
"هذا الرجل شرير وقاده إلى منزلق". يشتعل العرق في رأسه غضبة ريح عاصف.. من يظن نفسه؟ بثمن عشاء يريد أن يوقع به وبها؟ لا يمكن لأحد أن يخدعه حتى ولو طار نافوخه مع الخمر..
- لا..لا.. ليست كل امرأة وحيدة سهلة ويمكن الإيقاع بها..لا..لا.. النساء أصناف..هناك من لا تحتمل العيش بلا رجل، وهذا النوع هو الهدف. وهناك فئة لا تجرؤ على الاقتراب منها.
- وشادن؟ من أي صنف هي؟
وثورة سيف هادئة، حاسمة وقاطعة، لوّح بيده رافضاً مستنكراً:
- لا أرجوك، شادن واحدة من الشباب. ليست امرأة.
يضحك كفاح ويشد سنارته لتغمز:
- تعني مسترجلة؟ معقول؟! وبكل هذه الأنوثة؟ لا يعقل! أم تعني أنها من جنس ثالث؟
تركه يضحك وحده. مقهوراً رد:
- لا..أرجوك، هذه امرأة دماغ، عقل وثقافة.. جميلة أي نعم ولكنها مختلفة. شادن من صنف ليس كالنساء. هكذا. جِبِلّة وحدها.. ليست من صنف الحريم.
- ولكنها مطلقة ووحيدة.
احتد مُستَفَزاً فعلا صوته:
- شادن طلَّقَتْ بإرادتها.. ثم ماذا يعني أن يفشل زواجها؟ هذه امرأة تكتفي بنجاحها.
- لا تغضب، لم أقصد سوءاً، ولكن حرام أن يسرق النجاح عمر وجمال امرأة مثلها، انصحها لوجه الله ما دمت قريباً منها.
- هذه المرأة تضع الحدود حيث تريد هي، ولن تسمح لأحد بتجاوزها، شادن امرأة غير عادية.
- ولكنك تعرف أنه حين تفشل امرأة في حب أو علاقة تعاني عقداً نفسية، ربما يفسر هذا انغلاقها.
- ليست منغلقة ولا معقدة، بالعكس، طبيعية ومرحة وتفرض احترامها على الرجال قبل النساء..ثم ماذا يعني أن تفشل في تجربة؟ أو في اثنتين؟ لا تتوقف حياة إنسان، رجل أو امرأة عند الفشل.. أنا لم ألحظ أمراً غير طبيعي في سلوكها.. أبداً أبداً..
حين قَبِلَ لقاءها هاجمه طيف احتله سنوات، وانهمرت سماؤه بلحظات الشوق والعشق البريء فتجسدت حكاية تجرّع مرارتها طويلاً، فخطت إلى مكتبه أخرى جريئة واثقة، لا يلحظ الآخرون آثاره عليها.
- لا يبدو أنها تتحسر على أي رجل، أو زواج أو حتى تجربة لا أعرفها.
وهذا العرق شديد الوطأة، يتوهج في العروق فينفلت اللسان، قرر سيف طرق الحديد ساخناً، مال إلى الأمام هامساً:
- قلت اليوم إن حبك الأول فشل؟ كيف؟!
ألقى بقنبلته وعاد بظهره إلى المقعد، أطفأ كفاح سيجارته استعداداً للحظة طال انتظارها.. قطع النادل تأهبهما إذ يفرغ أعقاب السجائر ويمضي.
- كانت صغيرة، لم تنضج إلى حد المجابهة فخذلتني، ربما تطلَّبَ كل ذلك التعقيد وعياً أكبر، أو ربما طبيعة مختلفة. استسلمت لهم للأسف.
- ولماذا يرفضون شاباً مثلك؟ ألم تكن صحفياً معروفاً آنذاك؟
- لاختلاف الدين.
- ولكنك قلت أنك كنت مستعداً لتغييره من أجل الحب.
- عرضت على والدها إسلامي فازداد رفضاً.
- معقول؟!
وتصرّ المداعبة والنكتة في موقف لا يحتمل:
- والله مجنون.. كان يمكن أن يدخل الجنة على قفاك، ويزيد أمة محمد واحداً.
ضجّا بالضحك معاً فاستمر سيف:
- صحيح مغفل.. كنت صك غفران لما تأخر من ذنبه وما تقدم.. تهتدي على يديه فتصير جواز سفر إلى الحواري وأنهار الخمر.
- أتدري ما قاله الشاعر يا سيف؟ قال:
ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنّون
وشرح له قصة المثل.. تلفّت بعض الجالسين إلى صخبهما، فخفض كفاح صوته:
- أتدري لماذا لم يقبل؟! أراهن أنك لن تعرف؟
- غُلِبَ حماري كما يقول المصريون.. لماذا؟
همس كفاح له بالسر.
علا ضجيج سيف ونديمه معا، استلقى على ظهر الكرسي ورفع ساقيه، ودمعت عيناهما معاً وصاح:
_ ابن الكلب! كيف خطرت له الفكرة؟
تهاوت كل الحدود بين رجلين.
قال سيف وما زال يضحك:
- أذكر يوم طهورنا وكنّا صغارا. يا ربي على ذلك اليوم.. كنت في الثامنة أو حولها، ولم يكن الطهور في المستشفيات بعد الولادة كما اليوم، جمعوا من في عمري من أولاد الجيران والأقارب، وبدأ الختّان يتناولنا بالصف.. يا ألا.. يجزّ ويرمي والطبول تعلو. يخرب بيت أبوه، ولا رمشة، وبحركة ميكانيكية، يسمي ويقطع ويختلط صراخنا بالزغاريد والطبول.. ثم ألبسونا الكندورة الجديدة، وعلمونا أن نحرك قماشها أمام جرحنا ليبرد ألمه.. ونحن نصرخ، والبخور يدور في الحوش، ونحن نمشي متفاحجين، أيام؟! لكن هل عَرَفَت شا.. الحبيبة.. بطلب والدها؟
- لا أعتقد. لا أتصور أنه يرفع الحواجز مع أبنائه.. لا أعتقد أنها تعرف حتى يومنا.
كل منهما يعرف يقيناً عمن يتحدثان، يسأله سيف:
- ولماذا لم تهرب معها؟ لو كنت مكانك لفعلت!
- كانت صغيرة فرفَضَت.
ثم أضاف في أسى:
- وأعتقد أنها ليست متمردة بطبيعتها. قدرة المجابهة والتحدي والخروج على التقاليد والمألوف تتطلب بنية نفسية واستعداداً طبيعياً للمغامرة. ولم تكن تملكها. أو ربما كانت صغيرة سناً ونضجاً! لا أعرف.
تهزه حيرة رجل هده الوجد يوماً.. أشعل كفاح السيجارة العشرين.. هرس الباكيت الفارغ وظل يفركه.
انتشله السؤال من ذاته، تردد:
- لا أدري.. سنوات طويلة كنت أتخيلها تخرج لي من الأزقة فأحتار، ماذا سأفعل؟ ثم انشَغَلْت، عملي لا يترك مجالاً للتأمل ومناجاة النجوم والقمر والسهر. ثم التقيت زوجتي نهاد. جميلة ومتعلمة فتقدمت لخطبتها في اليوم التالي.. اليوم لي بيت جميل وامرأة تثير الإعجاب وطفل يجسّد كل ما أحلم به.. ما زلت أحبها؟ يجوز!. ولكن أن تكون حياتي في كفة، وأضع الحب في الأخرى؟ لا أعتقد.
- وماذا عن ابنك؟
كفرحة طفل في يوم ميلاده وسط الهدايا أشرق وجهه:
- لو تعرف يا سيف.. كل ما أردته لنفسي وحرمت منه قدمته له.. يتكلم ثلاث لغات، أتقن الكمبيوتر، يركب الخيل، يعزف بيانو، يسبح، يلعب كرة القدم والبولينغ، نحضر المسرح معاً، ونأكل البوشار في السينما سوياً.. سأدخله جامعة لندن.. تعرف.. هذه جامعة عريقة ومحترمة على مستوى العالم.
- بارك الله لك فيه.
- سلمت.. وأنت يا سيف؟ ماذا عنك؟
ضرب سيف قلبه مرات:
- هي وحدها هنا.. نور حبيبتي وزوجتي.. عرفتها يوم أعلن التلفزيون عن وظائف للمواطنات.. تقدمت قلّة. رأيتها فأدركت أنها هي وحدها بين النساء قدري. لم أعد أرى سواها.. تزوجتها لأمنعها من العمل. جن والدي ولطمت أمي وجهها.. هوليّة؟ آه.. صحيح.. الهَوَل في المرتبة الثانية في مجتمعات الخليج. يقولون هم عرب حوّلوا إلى عربستان هرباً من القحط، فلقبهم الفرس ب حَوَل ولفظوها هَوَل فلا حاء عندهم. والقبائل تقول بل هم إيرانيون تحوّلوا إلى الخليج، ولكنهم من أغنى العائلات وأكثرها علماً وتحضّراً وانفتاحاً.. رفض أهلي لأنني أصيل وهي هولية وهذا بالنسبة لي على نعالي..تزوجتها رغماً عنهم فقاطعوني، وما زالت أمي لا تزورني ولا تستقبل زوجتي إلى يومنا هذا. أنا والأولاد نزورها فقط .. نور حياتي.
- إذاً.. كيف تخونها؟
- شهوة عابرة لا أستطيع مقاومتها. إذا توقفت عن المغامرات أموت. لا علاقة لهذا بحبي لنور، مشكلتي هي النساء الفاتنات! يا أخي، الحديث يقول لو أبصر أحدكم امرأة في صورة شيطان فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه، وأنا لا يمكن أن أحمل نور على كتفي. لأن كل النساء يأتين أمامي في صورة شيطان! فماذا أفعل؟
- صحيح مشكلة!
وافقه ضاحكا.
انتبه النديمان إلى خلو المكان إلا منهما، دفع كفاح أبو غليون الحساب وترك رزمة للنادل.
لفحهما برد لندن، وكل يفكر أيهما أخرج للآخر مكنونات نفسه أكثر.